فصل: قراءة القرآن عند القبر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.تفضيل الدفن في المقابر:

قال ابن قدامة: والدفن في مقابر المسلمين أحب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت، لأنه أقل ضررا على الاحياء من ورثته، وأشبه بمساكن الاخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى.
فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته، وقبر صاحباه معه.
قلنا: قالت عائشة: إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا. رواه البخاري.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك.
ولأنه روى «يدفن الانبياء حيث يموتون» وصيانة له عن كثرة الطراق، وتمييزا له عن غيره.
وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره؟ قال يدفن في المقابر مع المسلمين.

.النهي عن سب الأموات:

لا يحل سب أموات المسلمين ولاذكر مساويهم، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاتسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» وروى أبو داود والترمذي بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم»، أما المسلمون المعلنون بفسق أو بدعة، أو عمل فاسد فإنه يباح ذكر مساويهم إذا كان فيه مصلحة تدعو إليه، كالتحذير من حالهم والتنفير من قولهم وترك الاقتداء بهم، وإن لم تكن فيه مصلحة فلا يجوز.
وقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض».
ويجوز سب أموات الكفار ولعنهم.
قال الله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} وقال: {تبت يدا أبي لهب وتب} ولعن فرعون وأمثاله، وسبه مشهور في كتاب الله. وفيه: {ألا لعنة الله على الظالمين}.

.قراءة القرآن عند القبر:

اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن عند القبر، فذهب إلى استحبابها الشافعي ومحمد بن الحسن لتحصيل للميت بركة المجاورة، ووافقهما القاضي عياض والقرافي من المالكية، ويرى أحمد: أنه لا بأس بها.
وكرهها مالك وأبو حنيفة لأنها لم ترد بها السنة.

.نبش القبر:

اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن المسلم فيه وقف عليه ما بقي شيء منه من لحم أو عظم، فإن بقي شيء منه فالحرمة باقية لجميعه، فإن بلي وصار ترابا جار الدفن في موضعه وجاز الانتفاع بأرضه في الغرس والزرع والبناء وسائر وجوه الانتفاع به، ولو حفر القبر فوجد فيه عظام الميت باقية لايتم الحافر حفره.
ولو فرغ من الحفر، وظهر شيء من العظم جعل في جنب القبر وجاز دفن غيره معه.
ومن دفن من غير أن يصلى عليه أخرج من القبر - إن كان لم يهل عليه التراب - وصلي عليه، ثم أعيد دفنه.
وإن كان أهيل عليه التراب حرم نبش قبره وإخراجه منه عند الأحناف والشافعية ورواية عن أحمد، وصلي عليه وهو في القبر، وفي رواية عن أحمد أنه ينبش، ويصلى عليه.
وجوز الائمة الثلاثة نبش القبر لغرض صحيح مثل إخراج مال ترك في القبر، وتوجيه من دفن إلى غير القبلة إليها، وتغسيل من دفن بغير غسل، وتحسين الكفن، إلا أن يخشى عليه أن يتفسخ فيترك.
وخالف الأحناف في النبش من أجل هذه الأمور واعتبروه مثلة، والمثلة منهى عنها.
قال ابن قدامة: إنما هو مثلة في حق من تغير وهولا ينبش.
قال: وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان: أحدهما يترك، لأن القصد بالكفن ستره وقد حصل ستره بالتراب، والثاني ينبش ويكفن، لأن التكفين واجب، فأشبه الغسل.
قال أحمد: إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها.
وقال في الشئ يسقط في القبر - مثل الفأس والدراهم - ينبش.
قال: إذا كان له قيمة - يعني ينبش - قيل: فإن أعطاه أولياء الميت؟ قال: إن أعطوه حقه أي شيء يريد.
وقد ورد في ذلك ما رواه البخاري عن جابر.
قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل في حفرته فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصا، وروى عنه أيضا.
قال: دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة.
وقد بوب البخاري لهذين الحديثين.
فقال: باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟.
وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك: أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه، فابتدره الناس، فاستخرجوا الغصن».
قال الخطابي: فيه دليل على جواز نبش قبور المشركين إذا كان فيه أرب أو نفع للمسلمين.
وأنه ليست حرمتهم في ذلك كحرمة المسلمين.

.نقل الميت:

يحرم عند الشافعية نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فإنه يجوز النقل إلى إحدى هذه البلاد لشرفها وفضلها.
ولو أوصى بنقله إلى غير هذه الأماكن الفاضلة لا تنفذ وصيته لما في ذلك من تأخير دفنه وتعرضه للتغير.
ويحرم كذلك نقله من القبر إلا لغرض صحيح، كأن دفن من غير غسل، أو إلى غير القبلة، أو لحق القبر سيل أو ندوة.
قال في المنهاج: ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام إلا لضرورة، كأن دفن بلا غسل أو في أرض، أو ثوب مغصوبين، أو وقع مال، أو دفن لغير القبلة.
وعند المالكية: يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر، قبل الدفن وبعده لمصلحة، كأن يخاف عليه أن يغرقه البحر أو يأكله السبع، أو لزيارة أهله له، أو لدفنه بينهم، أو رجاء بركته للمكان المنقول إليه ونحو ذلك.
فالنقل حينئذ جائز ما لم تنتهك حرمة الميت بانفجاره أو تغيره أو كسر عظمه.
وعند الأحناف: يكره النقل من بلد إلى بلد، ويستحب أن يدفن كل في مقبرة البلد التي مات بها، ولا بأس بنقله قبل الدفن نحو ميل أو ميلين لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار، ويحرم النقل بعد الدفن إلا لعذر كما تقدم.
ولو مات ابن لامرأة ودفن في غير بلدها وهي غائبة ولم تصبر، وأرادت نقله، لاتجاب إلى ذلك.
وقالت الحنابلة: يستحب دفن الشهيد حيث قتل.
قال أحمد: أما القتلى، فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ادفنوا القتلى في مصارعهم» وروى ابن ماجه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم.
فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا مذهب الاوزاعي وابن المنذر.
قال عبد الله بن ملكيه: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبش فحمل إلى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره.
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك.
لان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغير، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز.
قال أحمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا.
وسئل الزهري عن ذلك؟ فقال: قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة.

.التعزية:

العزاء: الصبر والتعزية التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته.

.حكمها:

التعزية مستحبة ولو كان ذميا، لما رواه ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة» وهي لا تستحب إلا مرة واحدة.
وينبغي أن تكون التعزية لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء.
سواء أكان ذلك قبل الدفن أم بعده، إلى ثلاثة أيام، إلا إذا كان المعزي أو المعزى غائبا، فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث.

.ألفاظها:

والتعزية تؤدى بأي لفظ يخفف المصيبة ويحمل الصبر والسلوان، فإن اقتصر على اللفظ الوارد كان أفضل.
روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر، ولتحتسب» وروى الطبراني والحاكم وابن مردويه بسند فيه رجل ضعيف عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه مات ابن له فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه بابنه، فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فأعظم الله لك الاجر وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر فإن أنفسنا وأموالنا وأهلنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة، متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير، الصلاة والرحمة والهدى، إن احتسبته فاصبر، ولا يحبط جزعك أجرك فتندم، واعلم أن الجزع لا يرد ميتا، ولا يدفع حزنا، وما هو نازل فكأن قد والسلام».
وروى الشافعي في مسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده.
قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
وإسناده ضعيف.
قال العلماء فإن عزى مسلما بمسلم قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك.
وإن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك.
وإن عزى كافرا بمسلم قال: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك.
وإن عزى كافرا بكافر قال: أخلف الله عليك.
وأما جواب التعزية فيؤمن المعزى ويقول للمعزي: آجرك الله.
وعند أحمد إن شاء صافح المعزي وإن شاء لم يصافح، وإذا رأى الرجل شق ثوبه على المصيبة عزاه ولا يترك حقا لباطل وإن نهاه فحسن.

.الجلوس لها:

السنة أن يعزى أهل الميت وأقاربه ثم ينصرف كل في حوائجه دون أن يجلس أحد سواء أكان معزى أو معزيا.
وهذا هو هدي السلف الصالح.
قال الشافعي في الأم: أكره الماتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الاثر.
قال النووي: قال الشافعي وأصحابه رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية.
قالوا: ويعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم.
ولافرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها.
صرح به المحاملي ونقله عن نص الشافعي رضي الله عنه.
وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة - كما هو الغالب منها في العادة - كان ذلك حراما من قبائح المحرمات، فإنه محدث وثبت في الحديث الصحيح «أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأي.
وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس في غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية، من غير ارتكاب محظور.
وما يفعله بعض الناس اليوم من الاجتماع للتعزية، وإقامة السرادقات، وفرش البسط، وصرف الأموال الطائلة من أجل المباهاة والمفاخرة من الأمور المحدثة والبدع المنكرة التي يجب على المسلمين اجتنابها، ويحرم عليهم فعلها، لاسيما وأنه يقع فيها كثير مما يخالف هدي الكتاب ويناقض تعاليم السنة، ويسير وفق عادات الجاهلية، كالتغني بالقرآن وعدم التزام آداب التلاوة، وترك الانصات والتشاغل عنه بشرب الدخان وغيره.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه عند كثير من ذوي الاهواء فلم يكتفوا بالايام الأول: جعلوا يوم الأربعين يوم تجدد لهذه المنكرات وإعادة لهذه البدع.
وجعلوا ذكرى أولى بمناسبة مرور عام على الوفاة وذكرى ثانية، وهكذا مما لا يتفق مع عقل ولانقل.